نصطدم يوميًا بتصرفات غير مفهومة ولا منطقية سواء من أنفسنا أو من الآخرين، فكثيرًا ما يحركنا الخوف من المواجهة أو من الاختلاط والاجتماعيات، كما يعتري بعضنا الخجل الشديد والتوتر، ولكن تُرى هل تصاعد الأمر ليصل إلى اضطراب في الشخصية، سنتناول في هذا المقال كل ما يتعلق باضطراب الشخصية التجنبية.
اضطراب الشخصية التجنبية
جميعنا يتسم بسمات شخصية مميزة، تمنحه بصمة في العالم وفي حياة الآخرين، وبالتالي نتمكن من التأقلم في مجتمعاتنا، وتكوين علاقات سوية.
تتكون شخصية المرء وفقًا لمزيج فريد ما بين العوامل الجينية والبيئية المستمدة من الجو المحيط به.
لكن يواجه بعض الأشخاص أنواع من الاضطراب في شخصياتهم، فلا يتمتعون بالمرونة الكافية ليصيروا قادرين على التأقلم المجتمعي، أو حتى التواصل مع الآخرين.
يواجه الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية بعض الصعوبات المتعلقة بإدارة مشاعرهم والتعامل مع نوبات التوتر،
وغالبًا ما يتصرفون باندفاعية يندمون عليها، مما يؤثر في كافة أنشطة حياتهم وعلاقاتهم.
ويعد اضطراب الشخصية التجنبية أحد أشهر أنواع الاضطرابات وأكثرها تعقيدًا، فهو يصيب قرابة 2% من العالم.
فيشعر صاحبه بالخجل المبالغ فيه والذي يجنبه التفاعل مع مجتمعه، كما يميل دومًا إلى الانعزال والوحدة
خوفًا من السخرية أو الانتقاد.
فيعاني من عدم القدرة على تكوين العلاقات، وإن تمكن من تكوينها لا يملك حمايتها والمحافظة عليه
حيث يسيره الخوف دومًا، الخوف من الرفض والخوف من عدم كفايته.
أعراض اضطراب الشخصية التجنبية
هناك مجموعة من الأعراض التي يعاني منها أصحاب اضطراب الشخصية التجنبية والتي تصعب عليهم نمط الحياة،
وتتمثل تلك الأعراض في الآتي:
- يعاني الأشخاص المصابة من حساسية مفرطة للنقد بكافة أشكاله، حيث يخافون من الرفض وعدم الترحيب بهم، هذا ما يجعلهم يتجنبون كافة الأنشطة الاجتماعية، وقد يصل الأمر بهم لعدم حضور مقابلات العمل.
- يخاف الشخص المتجنب من التواصل الاجتماعي بكافة أشكاله، لأنه يجعلهم عرضة للنقد والرفض.
- يشعر المصاب بالخجل المفرط، فيسعى جاهدًا لعدم ارتكاب أي خطأ، فيتعرض على أثره للسخرية أو الإحراج.
- يخاف أصحاب هذا الاضطراب من المواجهة بكافة أشكالها، فيفضلون دومًا الانسحاب المفاجئ.
- لا يرغبون أبدًا في خوض أي تجارب جديدة حتى لا يتعرضوا للاحراج.
- يعاني المتجنب من انخفاض الثقة بالنفس، يراوده دومًا شعور بأنه أقل من الآخرين.
- يضخم المتجنب الأمور بنسبة كبيرة، فلا يراها بصورتها الواقعية المجردة، وإنما بعدسة مكبرة تضاعف من حجمها.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
أسباب اضطراب الشخصية التجنبية
بعد أن تعرفنا عن قرب على أعراض اضطراب الشخصية التجنبية، تُرى ما الذي تسبب في معاناة المتجنب
وأفقده القدرة على التكيف، ومنحه تلك الصفات المؤرقة؟
لم يتمكن العلماء من الوصول إلى سبب موقن لهذا الاضطراب، لكنهم وضعوا عدد من العوامل التي قد تحفز هذا الاضطراب، ونذكر منها:
1/العوامل الوراثية
ربما يكون المتجنب لديه استعداد وراثي لمثل هذا الاضطراب، فورثه عن أحد الأباء.
2/العوامل البيئية
كثيرًا ما يكون المتجنب قد نشأ داخل بيئة أسرية تفتقد للحد الأدنى من العطف والرعاية،
فربما تعرض للرفض من والديه في مرحلة الطفولة.
يتسبب الإيذاء النفسي والجسدي في الصغر في تحفيز السلوكيات المتجنبة.
هذا بالإضافة إلى تعرض الشخص للرفض من أسرته أو زملائه أو في علاقة عاطفية، مما يخلق داخله أعراض هذا الاضطراب.
مقياس اضطراب الشخصية التجنبية
لعلك تتساءل الآن، كيف يمكننا تشخيص الشخص المتجنب؟ والإجابة أنه لا يوجد اختبار محدد يجعلنا نقول أن هذا الشخص تجنبي.
لكن يعتمد المختصون على بعض الخطوات التي تساعدهم في عملية التشخيص، ومنها الحصول على التاريخ الطبي للمريض.
وبعد ذلك يأتي دور الفحص البدني، يليه تقييم كافة الأعراض السابق ذكرها، وتتبع الطريقة التي استجاب بها الشخص خلال مرحلة الفحص.
حيث يظهر المصابون بعض ردود الأفعال التجنبية خلال فحصهم.
ولكن ينبغي أن نضع في الاعتبار أننا لا نستطيع تشخيص هذا الاضطراب لدى بعض الفئات العمرية في مرحلة الطفولة أو المراهقة.
حيث يتغير نمط الشخصية وما يترتب عليه من سلوك في تلك المراحل العمرية.
الشخصية التجنبية والحب
نشأ الأشخاص المتجنبون على التمحور حول ذاتهم، فهم من يلبون احتياجاتهم العاطفية دون الاعتماد على أحد.
لذا لا يرون في العلاقات والحب سوى الارهاق والاستنزاف، ولا يفضلون المشاعر بمختلف أنواعها، لكونها تربكهم،
فلا يستطيون فهمها أو تحديدها بشكل صحيح، وقد نتج ذلك من انخفاض درجة الوعي العاطفي لديهم.
لا يفضل الشخص المتجنب المواجهة بكافة صورها، لذا حين يتوجب الاعتراف بالمشاعر السلبية للشريك أو مواجهة أي موقف كان، يميلون للانعزال والاختفاء، ويبعدون أنفسهم بكافة الطرق عن شريكهم.
ينفر المتجنب من إجراء أي محادثة عميقة، كما يرفض الاعتراف بمشاعره، وبمشاعر شريكة، وبالتالي يجد الشريك نفسه أمام علاقة مربكة لا يدرى ماذا يحدث له.
تعرف على: من هو الشخص التوكسيك وأهم صفاته
علاج الشخصية التجنبية
لا يجد المتجنبون في أنفسهم الرغبة في العلاج، ولا يسعون إليه.
ولكن كثيرًا ما يزداد الأمر سوءًا، فيصاحب الاضطراب مشاكل نفسية أخرى كالقلق والاكتئاب، مما يفسد عليهم حيواتهم.
يتمحور العلاج حول التقليل من فكرة التجنب التي تلازم الشخص، وينقسم العلاج إلى شقين:
العلاج النفسي
يعتمد العلاج النفسي على العلاج السلوكي المعرفي الذي يسعى من خلاله المختص لتحديد الأفكار السلبية العالقة في ذهن المصاب واستبدالها بأفكار صحيحة تساعده على التخلص من صفة التجنب وما يلازمها من سلوكيات.
فيسعى المعالج لتفهم الجذور الاساسية للمشكلة التي أدت إلى حدوث هذا الاضطراب في الشخصية، وبالتالي يعمل على حلها كي يتمكن من إعادة الثقة للمصاب، وتخليصه مما يدور في ذهنه من أفكار مغلوطة حول نفسه ومن حوله، إضافة إلى العلاقات.
العلاج الدوائي
ليس هناك دواء يعالج الشخص المتجنب، ولكن يمكن أن يحصل على أدوية تقلل من الأعراض المصاحبة للاضطراب، كمضادات القلق والاكتئاب التي تخفف من وطأة الأعراض.
إن كافة أساليب العلاج تساعد على تغيير أفكار الفرد عن نفسه، ومساعدته على إسقاط الأفكار المغلوطة، بل وتزيد من قدرته على التواصل المجتمعي لكن سيظل الفرد محتفظًا ببعض صفاته كالخجل وعدم الرغبة في الاندماج مع المجتمع من حوله، ولكن سيصير أكثر مرونة عن السابق.
كيف تتعامل مع الشخصية التجنبية
إن كان في دائرتك شخص تجنبي، فيجب عليك أن تكون حذرًا في التعامل معه، كي لا تزيد من ضغوطاته.
فاحرص على الآتي:
- لا يفضل المتجنب أشكال التواصل الاجتماعي، فلا تضغط عليه كي يشارك في المناسبات الاجتماعية.
- تجنب أي سلوك ربما يشعره بالسخرية والانتقاد والرفض.
- لا تعامله بعنف ولا تدخله في صراعات وجدال.
- يمكنك أن تلفت نظره إلى بعض السلوكيات التي يفعلها والتي ربما تؤذيك وتؤذي من حوله.
- حاول أن تساعده بشكل فعال من خلال لفت انتباهه للعلاج، وذلك لأن زيادة الانعزالية ربما تؤدي به في النهاية للمعاناة من الاكتئاب، وربما ينتهي به الأمر لأي وسيلة ادمانية.
وختامًا إن كنت من أصحاب اضطراب الشخصية التجنبية أو شعرت بأن بعض تلك الأعراض تنطبق عليك، فنصيحتنا أن تزور الطبيب فورًا، لأن بعض تلك السلوكيات تؤذيك أولًا وتؤذي من حولك، ربما تفقدك أحبتك لأنهم لا يدرون ما سبب تلك التصرفات، ولا يعرفون أنك في الأصل تعاني.